سورة التوبة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


فأما التفسير، فقوله تعالى: براءة قال الفراء: هي مرفوعة باضمار هذه، ومثلُهُ: {سورة أنزلناها} [النور: 2]. وقال الزجاج: يقال بَرِئْتُ من الرجل والدَّيْن براءةً، وبرئتُ من المرض، وبرأتُ أيضاً أبرأُ بُرءاً، وقد رووا: برأْتُ، أبرُؤ بروءاً. ولم نجد في مالامه همزة: فَعَلْتُ أفعل، إلا هذا الحرف. ويقال: بريت القلم، وكل شيء نحتَّه: أبريه بَرْياً، غير مهموز. وقرأ أبو رجاء، ومورق، وابن يعمر: براءةً بالنصب. قال المفسرون: والبراءة هاهنا: قطع الموالاة، وارتفاع العصمة. وزوال الأمان. والخطاب في قوله: {إلى الذين عاهدتم} لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمرادُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، لأنه هو الذي كان يتولَّى المعاهدة، وأصحابُه راضون؛ فكأنهم بالرضا عاهدوا أيضاً؛ وهذا عام في كل من عاهد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. وقال مقاتل: هم ثلاثة أحياء من العرب: خزاعة، وبنو مدلج، وبنو جذَيمة.


قوله تعالى: {فسيحوا في الأرض} أي: انطلقوا فيها آمنين لا يقع بكم مِنَّا مكروه.
إن قال قائل: هذه مخاطبة شاهد، والآية الأولى إخبار عن غائب، فعنه جوابان.
أحدهما: أنه جائز عند العرب الرجوع من الغيبة إلى الخطاب. قال عنترة:
شَطَّتْ مَزارُ العاشِقينَ فأصبَحتْ *** عَسِراً عليَّ طِلابُكِ ابنةَ مَخْرَمِ
هذا قول أبي عبيدة.
والثاني: أن في الكلام إضماراً، تقديره: فقل لهم سيحوا في الارض، أي: اذهبوا فيها، وأقبلوا، وأدبروا، وهذا قول الزجاج.
واختلفوا. فيمن جُعلت له هذه الأربعة الأشهر على أربعة أقوال.
أحدها: أنها أمان لأصحاب العهد، فمن كان عهده أكثر منها، حُطَّ إليها، ومن كان عهده أقل منها، رفع إليها، ومن لم يكن له عهد، فأجله انسلاخ المحرَّم خمسون ليلة، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك.
والثاني: أنها للمشركين كافَّةً، مَنْ له عهد، ومَنْ ليس له عهد، قاله مجاهد، والزهري، والقرظي.
والثالث: أنها أجل لمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آمنه أقلَّ من أربعة أشهر، أو كان أمانه غير محدود؛ فأما من لا أمان له، فهو حرب، قاله ابن إِسحاق.
والرابع: أنها أمان لمن لم يكن له أمان ولا عهد؛ فأما أرباب العهود، فهم على عهودهم إلى حين انقضاء مُددهم، قاله ابن السائب. ويؤكده ما روي: أن علياً نادى يومئذ: ومَن كان بينه وبين رسول الله عهد، فعهده إلى مدَّته. وفي بعض الألفاظ: فأجله أربعة أشهر. واختلفوا في مدة هذه الأربعة الأشهر على أربعة أقوال.
أحدها: أنها الأشهر الحرم، رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، قاله ابن عباس.
والثاني: أن أولها يوم الحج الأكبر، وهو يوم النحر، وآخرها العاشر من ربيع الآخر، قاله مجاهد، والسدي، والقرظي.
والثالث: أنها شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، لأن هذه الآية نزلت في شوال، قاله الزهري. قال أبو سليمان الدمشقي: وهذا أضعف الأقوال، لأنه لو كان كذلك، لم يجز تأخير إعلامهم به إلى ذي الحجة، إذ كان لا يلزمهم الأمر إلا بعد الإعلام.
والرابع: أن أولها العاشر من ذي القعدة، وآخرها العاشر من ربيع الأول، لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك اليوم، ثم صار في السنة الثانية في العشر من ذي الحجة، وفيها حج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «إن الزمان قد استدار» ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {واعلموا أنكم غير معجزي الله} أي: وإن أُجِّلْتُمْ هذه الأربعة الأشهر فلن تفوتوا الله.
قوله تعالى: {وأن الله مخزي الكافرين} قال الزجاج: الأجود: فتح {أن} على معنى: اعلموا أن، ويجوز كسرها على الاستئناف، وهذا ضمان من الله نصرة المؤمنين على الكافرين.


قوله تعالى: {وأذان من الله ورسوله} أي: إعلام؛ ومنه أَذان الصلاة. وقرأ الضحاك، وأبو المتوكل، وعكرمة، والجحدري، وابن يعمر: {وَإِذْنٌ} بكسر الهمزة وقصرها ساكنة الذال من غير ألف.
قوله تعالى: {إلى الناس} أي: للناس. يقال: هذا إعلام لك، وإليك. والناس هاهنا عامّ في المؤمنين والمشركين. وفي يوم الحج الأكبر ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه يوم عرفة، قاله عمر بن الخطاب، وابن الزبير، وأبو جحيفة، وطاووس، وعطاء.
والثاني: يوم النحر، قاله أبو موسى الأشعري، والمغيرة ابن شعبة، وعبد الله ابن أبي أوفى، وابن المسيب، وابن جبير، وعكرمة، والشعبي، والنخعي، والزهري، وابن زيد، والسدي في آخرين. وعن علي، وابن عباس، كالقولين.
والثالث: أنه أيام الحج كلُّها. فعبَّر عن الأيام باليوم، قاله سفيان الثوري. قال سفيان: كما يقال: يوم بعاث، ويوم الجمل، ويوم صفِّين يراد به: أيام ذلك، لان كل حرب من هذه الحروب دامت أياماً. وعن مجاهد كالأقوال الثلاثة.
وفي تسميته بيوم الحج الأكبر ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه سمَّاه بذلك لأنه اتفق في سنة حج فيها المسلمون والمشركون، ووافق ذلك عيدَ اليهود والنصارى، قاله الحسن.
والثاني: أن الحج الأكبر: هو الحج، والأصغر: هو العمرة، قاله عطاء، والشعبي.
والثالث: أن الحج الأكبر: القِران، والأصغر: الإفراد، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {إن الله بريء} وقرأ الحسن، ومجاهد، وابن يعمر: {إِن الله} بكسر الهمزة. {من المشركين} أي: من عهد المشركين، فحذف المضاف. {ورسولُه} رفعٌ على الابتداء، وخبره مضمر على معنى: ورسولُه أيضا بريء. وقرأ أبو رزين، وأبو مجلز، وأبو رجاء، ومجاهد، وابن يعمر، وزيد عن يعقوب: {ورسولَه} بالنصب. ثم رجع إلى خطاب المشركين بقوله: {فان تبتم} أي: رجعتم عن الشرك، {وإن تولَّيتم} عن الإيمان.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8